كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما النذر المضمون، إذا لم يسمه للمساكين: فإنه يأكل منه بعد بلوغه محله، وإن كان منذورًا معينًا، ولم يسمه للمساكين، أو قلده، وأشعره من غير نذر أكل منه بعد بلوغه محله، ولم يأكل منه قبله وإن عين النذر للمساكين أو نوى ذلك حين التقليد والإشعار لم يأكل منه قبل ولا بعد.
والحاصل: أن النذر المعين للمساكين لا يجوز له الأكل منه مطلقًا، عند مالك وأن النذر المضمون للمساكين، حكمه عند المالكية، حكمه عند المالكية: حكم جزاء الصيد، وفدية الأذى فيمتنع الأكل منه بعد بلوغه محله، ويجوز قبله، لأنه باقي في الذمة حتى يبلغ محله. وأما النذر المضمون الذي لم يسم للمساكين كقوله: على لله نذر أن أتقرب إليه بنحر هدي، فله عند المالكية: الأكل منه قبل بلوغ محله، وبعده، وقد قدمنا أن هدي التطوع إن عطب في الطريق. لا يجوز له الأكل منه عند المالكية، وأوضحنا دليل ذلك. هذا هو حاصل مذهب مالك في الأكل من الهدايا، ولا خلاف في جواز الأكل من الضحايا. وقد قدمنا قول اللخمي من المالكية: أن كل هدي جاز أن يأكل منه: جاز أن يطعم منه من شاء من غني وفقير، وكل هدي لم يجز له أن يأكل منه، فإنه يطعمه فقيرًا، لا تلزمه نفقته كالكفارة. وكره ابن القاسم من أصحاب مالك إطعام الذمي من الهدايا كما تقدم. ومذهب أبي حنيفة رحمه الله: أنه يأكل من هدي التمتع والقران، وهدي التطوع إذا بلغ محله، أما إذا عطب هدي التطوع، قبل بلوغ محله، فليس لصاحبه الأكل منه عند أبي حنيفة كما تقدم إيضاحه. ولا يأكل من غير ذلك، هو ولا غيره من الأغنياء، بل يأكله الفقراء. هذا حاصل مذهب أبي حنيفة رحمه الله.
وأما مذهب الشافعي رحمه الله: فهو أن الهدي إن كان تطوعًا، فالأكل منه مستحب، واستدل بعضهم لعدم وجوب الأكل بقوله: {والبدن جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ الله} [الحج: 36]. قالوا: فجعلها لنا وما هو للإنسان فهو مخير بين تركه، وأكله، ولا يخفى ما في هذا الاستدلال.
واعلم: أنا حيث قلنا في هذا المبحث: يجوز الأكل، فإنا نعني: الإذن في الأكل الصادق بالاستحباب، وبالوجوب لما قدمنا من الخلاف، في وجوب الأكل والإطعام، واستحبابهما، والفرق بينهما بإيجاب الإطعام دون الأكل، وكل هدي واجب لا يجوز الأكل منه في مذهب الشافعي، كهدي التمتع والقران، والنذر، وجميع الدماء الواجبة، قال النووي: وكذا قال الأوزاعي، وداود الظاهري: لا يجوز الأكل من الواجب. هذا هو حاصل مذهب الشافعي.
وأما مذهب أحمد رحمه الله: فهو أنه لا يأكل من هدي واجب، إلا هدي التمتع والقران، وأنه يستحب له أن يأكل من هدي التطوع، وهو ما أوجبه بالتعيين ابتداء من غير أن يكون عن واجب في ذمته، وما نحره تطوعًا من غير أن يوجبه هذا هو مشهور مذهب الإمام أحمد.
وعنه رواية أنه لا يأكل من المنذور، وجزاء الصيد ويأكل مما سواهما.
قال في المغني: وهو قول ابن عمر وعطاء والحسن وإسحاق، لأن جزاء الصيد بدل والنذر جعله الله تعالى بخلاف غيرهما.
وقال ابن أبي موسى: لا يأكل أيضًا من الكفارة، ويأكل مما سوى هذه الثلاثة، ونحوه مذهب مالك، لأن ما سوى ذلك لم يسمه للمساكين، ولا مدخل للإطعام فيه فأشبه التطوع. وقال الشافعي: لا يأكل من واجب، لأنه هدي واجب بالإحرام فلم يجز الأكل منه كدم الكفارة. انتهى من المغني.
فقد رأيت مذاهب الأربعة فيما يجوز الأكل منه، وما لا يجوز.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يرجحه الدليل في هذه المسألة: هو جواز الأكل من هدي التطوع وهدي التمتع والقران دون غير ذلك والأكل من هدي التطوع لا خلاف فيه بين العلماء بعد بلوغه محله، وإنما خلافهم في استحباب الأكل منه، أو وجوبه ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في الأحاديث الصحيحة في حجة الوداع «أنه أهدى مائة من الإبل» ومعلوم أن ما زاد على الواحدة منها تطوع، وقد أكل منها وشرب من مرقها جميعًا.
وأما الدليل على الأكل من هدي التمتع والقران، فهو ما قدمنا مما ثبت في الصحيح: «أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ذبح عنهن صلى الله عليه وسلم بقرا ودخل عليهن بلحمه وهن متمتعات وعائشة منهن قارنة وقد أكلن جميعًا مما ذبح عنهن في تمتعهن وقرانهن بأمره صلى الله عليه وسلم» وهو نص صحيح صريح في جواز الأكل من هدي التمتع والقران. أما غير ما ذكرنا من الدماء فلم يقم دليل يجب الرجوع إليه على الأكل منه، ولا يتحقق دخوله في عموم {فَكُلُواْ مِنْهَا} لأنه لترك واجب أو فعل محظور، فهو بالكفارات أشبه، وعدم الأكل منه أظهر وأحوط. والعلم عند الله تعالى.
مسألة في الأضحية:
لا يخفى أن كلامنا في الهدي وأن الآية التي نحن بصددها ظاهرها أنها في الهدي، ولما كان عمومها قد تدخل فيه الأضحية. أردنا هذا أنيشير إلى بعض أحكام الأضحية باختصار.
اعلم أولًا: أن الأضحية فيها أربع لغات: أضحية بضم الهمزة، وإضحية بكسرها، وجمعهما أضاحي بتشديد الياء وتخفيفها، وضحية، وجمعها ضحايا، وأضحاة وجمعها: أضحى كأرطاة، وأرطى.
واعلم أنه لا خلاف في مشروعة الأضحية. قال بعض أهل العلم: وقد دل على مشروعيتها الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانحر} [الكوثر: 2] على ما قاله بعض أهل التفسير، من أن المراد به: ذبح الأضحية بعد صلاة العيد، ولا يخفى أن صلاة العيد داخلة في عموم {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} وأن الأضحية داخلة في عموم قوله: {وانحر}.
وأما الإِجماع: فقد أجمع جميع المسلمين على مشروعية الأضحية. وأما السنة فقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة صحيحة في مشروعية الأضحية وسنذكر طرفًا منها فيه كفاية إن شاء الله.
قال البخاري في صحيحه: باب أضحية النبي صلى الله عليه وسلم على مشروعية الأضحية. وأما السنة فقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة صحيحة في مشروعية الأضحية وسنذكر طرفًا منها فيه كفاية إن شاء الله.
قال البخاري في صحيحه: باب أضحية النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أقرنين ويذكر سمينين. وقال يحيى بن سعيد: سمعت أبا أمامة بن سهل، قال: كنا نسمن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يسمنون. حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا شعبة، حدثنا عبد العزيز بن صهيب قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين وأنا أضحي بكبشين». حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد الوهاب عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انكفأ إلى كبشين أقرنين أملحين فذبحهما بيده» وقال إسماعيل وحاتم بن وردان، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أنس تابعه وهيب عن أيوب، وقال: حدثنا عمرو بن خالد، حدثنا الليث عن يزيد عن أبي الخير عن عقبة بن عامر «أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه غنمًا يقسمها على صحابته ضحايا فبقي عتود، فذكره النبي صلى الله عليه وسلم فقال ضح به أنت» انتهى من صحيح البخاري. وفي لفظ له من حديث أنس رضي الله عنه قال «ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين فرأيته واضعًا قدمه على صفاحهما يسمي ويكبر فذبحهما بيده» وفي لفظ للبخاري عن أنس أيضًا قال «ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما» وفي لفظ له عن أنس رضي الله عنه أيضًا «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بكبشين أملحين أقرنين ويضع رجله على صفاحهما، ويذبحهما بيده» انتهى منه.
وقال مسلم بن الحجاج في صحيحه: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا أبو عوانة عن قتادة، عن أنس قال «ضحى النَّبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده، وسمى وكبر ووضع رجله على صحافهما» وفي لفظ له عن أنس رضي الله عنه قال «ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين قال ورأيته يذبحهما بيده ورأيته واضعًا قدمه على صفاحهما قال: وسمى وكبر»، وفي لفظ لمسلم عن أنس عن النَّبي صلى الله عليه وسلم بمثله غير أنه قال «ويقول: بسم الله والله أكبر» وقال مسلم في صحيحه أيضًا: حدثنا هارون بن معروف، حدثنا عبد الله بن وهب قال: قال حيوة: أخبرني أبو صخر عن يزيد بن قسيط عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبشين أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد، وينظر في سواد فأتى به ليضحي به فقال لها: يا عائشة، هلمي المدية ثم قالك أشحذيها بحجر، ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبشر فأضجعه ثم ذبحه ثم قال: باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ثم ضحى به» انتهى من صحيح مسلم، والأحاديث الواردة في مشروعية الأضحية كثيرة، معروفة.
وقد اختلف أهل العلم في حكمها فذهب أكثر أهل العلم: إلى أنها سنة مؤكدة في حق الموسر، ولا تجب عليه وقال النووي في شرح المهذب: وهذا مذهبنا وبه قال أكثر العلماء منهم أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وبلال، وأبو مسعود البدري، وسعيد بن المسيب وعطاء وعلقمة، والأسود، ومالك، وأحمد، وأبو يوسف، وإسحاق، وأبو ثور، والمزني، وداود وابن المذنر، وقال ربيعة والليث بن سعد، وأبو حنيفة، والأوزاعي: هي واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى. وقال محمد بن الحسن: هي واجبة على المقيم بالأمصار. والمشهور عن أبي حنيفة: أنه إنما يوجبها على مقيم يملك نصابًا. انتهى كلام النووي.
وقال النووي في شرح مسلم: واختلف العلماء في وجوب الأضحية، على الموسر، فقال جمهورهم: هي سنة في حقه إن تركها بلا عذر، لم يأثم، ولم يلزمه القضاء، وممن قال بهذا: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب إلى آخر كلامه قريبًا مما ذكرنا عنه في شرح المهذب.
وقال ابن قدامة في المغني: أكثر أهل العلم على أنها سنة مؤكدة غير واجبة: روي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وبلال، وأبي مسعود البدري رضي الله عنهم. وبه قال سويد بن غفلة وسعيد بن المسيب، وعلقمة، والأسود، وعطاء، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر. وقال ربيعة، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والليث، وأبو حنيفة: هي واجبة ونقل ابن قدامة في المغني عن مالك وجوب الأضحية خلاف مذهبه، ومذهبه هو ما نقل عنه النووي: من أنها سنة، ولَكِنها عنده لا تسن على خصوص الحاج بمنى، لأن ما يذبحه هدي لا أضحية. وقد قدمنا أن آية الحج لا تخلو من دلالة على ما ذهب إليه مالك، كما سيأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى.
فإذا رأيت أقوال أهل العلم في حكم الأضحية، فهذه أدلة أقوالهم ومناقشتها، وما يظهر رجحانه بالدليل منها، على سبيل الاختصار.
أما من قال: إنها واجبة فقد استدل بأدلة منها أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعلها والله يقول:
{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] الآية.
وقد قدمنا قول من قال من أهل الأصول إن فعله صلى الله عليه وسلم الذي لم تعلم جهته من وجوب أو غيره يحمل على الوجوب. وأوضحنا أدلة ذلك. وذكرنا أن صاحب مراقي السعود ذكره بقوله في كتاب السنة في مبحث أفعال النَّبي صلى الله عليه وسلم:
وكل ما الصفة فيه تجهل ** فللوجوب في الأصح يجعل

وذكرنا مناقشة الأقوال فيه في الحج، وغيره من سور القران.
ومن أدلتهم على وجوب الأضحية ما رواه البخاري في صحيحه: حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا الأسود بن قيس: سمعت جندب بن سفيان البجلي قال: شهدت النَّبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: «من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح»اهـ. قالوا قوله: فليعد وقوله: فليذبح كلاهما صيغة أمر.
وقد قدمنا أن الصحيح عند أهل الأصول أن الأمر المتجرد عن القرأئن، يدل على الوجوب، وبينا أدلة ذلك من الكتاب والسنة، ورجحناه بالأدلة الكثيرة الواضحة كقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الذين يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63]. وقوله: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: 69] فسمى مخالفة الأمر معصية، وقوله: {وما كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة} [الأحزاب: 36] الآية. فجعل أمره وأمر رسوله مانعًا من الاختيار، موجبًا للامتثال، وكقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» الحديث إلى آخر ما قدمنا، وحديث جندب بن سفيان الذي ذكرناه عن البخاري أخرجه أيضًا مسلم في صحيحه بلفظ: «من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي أو نصلي، فليذبح مكانها أخرى ومن كان لم يذبح فليذبح باسم الله» وصيغة الأمر بالذبح في حديثه، واضحة كما بينا دلالتها على الوجوب آنفًا.
ومن أدلتهم على وجوب الأضحية: ما رواه أبو داود في سننه، حدثنا مسدد، ثنا يزيد ح وثنا حميد بن مسعدة، ثنا بشر عن عبد الله بن عون، عن عامر أبي رملة قال: أخبرنا مخنف بن سليم قال: ونحن وقوف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات قال: «يا أيها الناس إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة أتدرون ما العتيرة؟ هي: التي يقول عنها الناس: الرجبية» اهـ منه.
وقال النووي في شرح المهذب: في هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم، قال الترمذي: حديث حسن. قال الخطابي: هذا الحديث ضعيف المخرج، لأن أبا رملة مجهول. وهو كما قال الخطابي مجهول قال فيه ابن حجر في التقريب: عامر أبو رملة شيح لابن عون لا يعرف اهـ منه. وقال فيه الذهبي في الميزان: عامر أبو رملة شيخ لابن عون فيه جهالة له عن مخنف بن سليم عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس إن على كل بيت في الإسلام أضحية، وعتيرة» قال عبد الحق: إسناده ضعيف، وصدقه ابن القطان لجهالة عامر، رواه عنه ابن عون اهـ منه.
وبه تعلم أن قول ابن حجر في الفتح في حديث مخنف بن سليم أخرجه أحمد والأربعة بسند قوي، خلاف التحقيق كما ترى. وقد قال أبو داود بعد أن ساق الحديث بسنده ومتنه كما ذكرناه عنه آنفًا. قال أبو داود: العتيرة: منسوخة هذا خبر منسوخ اهـ منه. ولَكِنه لم يبين الناسخ، ولا دليل النسخ. وعلى كل حال فالحديث ضعيف لا يحتج به، لأن أبا رملة مجهول كما رأيت من قال ذلك.
ومن أدلتهم على وجوبها: ما رواه الإمام أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا» قال ابن حجر في بلوغ المرام: في هذا الحديث رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الحاكم ورجح الأئمة غيره وقفه، وقال ابن حجر في فتح الباري: وأقرب ما يتمسك به لوجوب الأضحية، حديث أبي هريرة، رفعه «من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا» أخرجه ابن ماجه، وأحمد ورجاله ثقات لَكِن اختلف في رفعه ووقفه والموقوف أشبه بالصواب. قاله الطحاوي وغيره، ومع ذلك فليس صريحًا في الإيجاب اهـ منه.
وذكر النووي في شرح المهذب، من أدلة من أوجبها: ما جاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنفقت الورق في شيء أفضل من نحيرة يوم عيد» ثم قال رواه البيهقي. وقال: تفرد به محمد بن ربيعة، عن إبراهيم بن يزيد الخوزي وليسا بقويين، ثم قال: وعن عائذ الله المجاشعي، عن أبي داود نفيع عن زيد بن أرقم أنهم قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذه الأضاحي قال: «سنة أبيكم إبراهيم صلى الله عليه وسلم وعلى نبينا وسلم، قالوا: ما لنا فيها من الأجر؟ قال: بل كل قطرة حسنة» رواه ابن ماجه، والبيهقي. قال البيهقي: قال البخاري: عائذ الله المجاشعي عن أبي داود لا يصح حديثه، وأبو داود هذا ضعيف، ثم قال النووي: قال البخاري: عائذ الله المجاشعي عن أبي داود لا يصح حديثه، وأبو داود هذا ضعيف، ثم قال النووي: وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نسخ الأضحى كل ذبح، وصوم رمضان كل صوم والغسل من الجنابة كل غسل، والزكاة كل صدقة» رواه الدارقطني والبيهقي قال: وهو ضعيف، واتفق الحفاظ على ضعفه، وعن عائشة قالت: «قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أستدين وأضحي؟ قال: نعم فإنه دين مقضي» رواه الدارقطني والبيهقي، وضعفاه قالا: وهو مرسل اهـ. كلام النووي. وما ذكره من تضعيف الأحاديث المذكورة: هو الصواب، وقد وردت أحاديث غير ما ذكرنا في الترغيب في الأضحية، وفيها أحاديث متعددة ليست بصحيحة. وهذا الذي ذكرنا هو عمدة من قال: بوجوب الأضحية، واستدلال بعض الحنفية على وجوبها بالإضافة في قولهم: يوم الأضحى قائلًا: إن الإضافة إلى الوقت، لا تحقق إلا إذا كانت موجودة فيه بلا شك، ولا تكون موجودة فيه بيقين، إلا إذا كانت واجبة لا يخفى سقوطه، لأن الإضافة تقع بأدنى ملابسة، فلا تقتضي الوجوب على التحقيق، كما لا يخفى.